فصل: 570 - مسألة: ولا يحل تكفين الرجل فيما لا يحل لباسه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


كِتَابُ الْجَنَائِزِ

صَلاَةُ الْجَنَائِزِ وَحُكْمُ الْمَوْتَى

558 - مَسْأَلَةٌ

غُسْلُ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ وَالآُنْثَى وَتَكْفِينُهُمَا فَرْضٌ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ إلاَّ حَسَنًا عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ‏,‏ وَكَذَلِكَ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حدثنا مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ‏:‏ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

فَأَمَرَ عليه السلام بِغُسْلِهَا‏,‏ وَأَمْرُهُ فَرْضٌ‏,‏ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الْفَرْضِ نَصٌّ آخَرُ‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ حُكْمَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ‏,‏ وَإِيجَابُ الْغُسْلِ‏:‏ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَدَاوُد‏:‏ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ لاَ يَرَى غُسْلَ الْمَيِّتِ فَرْضًا وَهُوَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرُهُ‏,‏ وَعَمَلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مُذْ أَوَّلِهِ إلَى الآنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْمًا فَذَكَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ‏.‏

وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي حُلَّةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ‏,‏ وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ‏:‏ كَانَ يُقَالُ‏:‏ مَنْ وَلِيَ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ‏,‏ فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي أَكْفَانِهِمْ‏.‏

وَعَنْ حُذَيْفَةَ‏:‏ لاَ تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ‏,‏ اشْتَرُوا لِي ثَوْبَيْنِ نَقِيَّيْنِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا تَحْسِينٌ لِلْكَفَنِ‏:‏ وَإِنَّمَا كَرِهَ الْمُغَالاَةَ فَقَطْ‏,‏ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ‏,‏ أَنَّهُ قَالَ لاَِنَسٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ وَلِغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم احْمِلُونِي عَلَى قَطِيفَةٍ قَيْصُرَانِيَّةٍ‏,‏ وَأَجْمِرُوا عَلَيَّ أُوقِيَّةَ مِجْمَرٍ وَكَفِّنُونِي فِي ثِيَابِي الَّتِي أُصَلِّي فِيهَا‏,‏ وَفِي قُبْطِيَّةٍ فِي الْبَيْتِ مَعَهَا وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله تعالى عنه فِي أَنْ يُغْسَلَ الثَّوْبُ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُكَفَّنَ فِيهِ وَفِي ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ‏:‏ تَحْسِينٌ لِلْكَفَنِ‏,‏ وَحَتَّى لَوْ كَانَ خِلاَفٌ لَوَجَبَ الرَّدُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

559 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ لَمْ يُغَسَّلْ، وَلاَ كُفِّنَ حَتَّى دُفِنَ‏:‏ وَجَبَ إخْرَاجُهُ حَتَّى يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ، وَلاَ بُدَّ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ‏,‏ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ‏,‏ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ‏,‏ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ‏,‏ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْغُسْلِ وَالْكَفَنِ لَيْسَ مَحْدُودًا بِوَقْتٍ‏,‏ فَهُوَ فَرْضٌ أَبَدًا‏,‏ وَإِنْ تَقَطَّعَ الْمَيِّتُ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَقَطُّعِهِ بِالْبِلَى وَبَيْنَ تَقَطُّعِهِ بِالْجِرَاحِ‏,‏ وَالْجُدَرِيِّ‏,‏ لاَ يَمْنَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ ‏.‏

560 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ أَحَدٌ لَيْلاً إلاَّ عَنْ ضَرُورَةٍ، وَلاَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ‏,‏ وَلاَ حِينَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ حَتَّى تَأْخُذَ فِي الزَّوَالِ‏,‏ وَلاَ حِينَ ابْتِدَاءِ أَخْذِهَا فِي الْغُرُوبِ‏,‏ وَيَتَّصِلُ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي‏,‏ وَالصَّلاَةُ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ كُلِّهَا

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَجَرَ أَنْ يُقْبَرَ إنْسَانٌ لَيْلاً إلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كُلُّ مَنْ دُفِنَ لَيْلاً مِنْهُ عليه السلام‏,‏ وَمِنْ أَزْوَاجِهِ‏,‏ وَمِنْ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم‏:‏ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ‏,‏ مِنْ خَوْفِ زِحَامٍ‏,‏ أَوْ خَوْفِ الْحَرِّ عَلَى مَنْ حَضَرَ‏,‏ وَحَرُّ الْمَدِينَةِ شَدِيدٌ‏,‏ أَوْ خَوْفِ تَغَيُّرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُبِيحُ الدَّفْنَ لَيْلاً‏,‏ لاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ أَنْ يَظُنَّ بِهِمْ رضي الله عنهم خِلاَفَ ذَلِكَ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حدثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ أَنَّهُ كَرِهَ الدَّفْنَ لَيْلاً

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْت عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ‏:‏ ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا أَوْ أَنْ نُقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا‏:‏ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ‏,‏ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ‏,‏ وَحِينَ تُضَيِّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ الصَّلاَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ إنَّمَا هِيَ التَّطَوُّعُ الْمُتَعَمَّدُ ابْتِدَاؤُهُ قَصْدًا إلَيْهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ كُلُّ صَلاَةِ فَرْضٍ مَقْضِيَّةٍ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ يَذْكُرُهَا فَقَطْ‏,‏ لاَ كُلُّ صَلاَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا أَوْ مَنْدُوبٍ إلَيْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

561 - مَسْأَلَةٌ

وَالصَّلاَةُ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ‏,‏ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ‏,‏ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَهَذَا أَمْرٌ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ عُمُومًا‏.‏

وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْغَالِّ ‏.‏

562 - مَسْأَلَةٌ

حَاشَا الْمَقْتُولِ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَعْرَكَةِ خَاصَّةً‏,‏ فَإِنَّهُ لاَ يُغَسَّلُ، وَلاَ يُكَفَّنُ‏,‏ لَكِنْ يُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ‏,‏ إلاَّ أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ السِّلاَحُ فَقَطْ‏,‏ وَإِنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ‏:‏ فَحَسَنٌ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ‏:‏ فَحَسَنٌ‏,‏ فَإِنْ حُمِلَ عَنْ الْمَعْرَكَةِ وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ‏:‏ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ أَنَّهُ ذَكَرَ قَتْلَى أُحُدٍ وَقَالَ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ‏,‏ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَبِهِ أَيْضًا إلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ‏:‏ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ‏,‏ ثُمَّ أَنْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ فَخَرَجَ هَؤُلاَءِ عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْكَفَنِ‏,‏ وَالْغُسْلِ‏,‏ وَالصَّلاَةِ وَبَقِيَ سَائِرُ مَنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ‏,‏ أَوْ بَاغٍ‏,‏ أَوْ مُحَارِبٌ‏,‏ أَوْ رُفِعَ عَنْ الْمَعْرَكَةِ حَيًّا عَلَى حُكْمِ سَائِرِ الْمَوْتَى‏,‏ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ أَحَدُ الأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلآخَرِ‏,‏ بَلْ كِلاَهُمَا حَقٌّ مُبَاحٌ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ‏;‏ لأَِنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا مَعًا مُمْكِنٌ فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمَبْطُونَ‏,‏ وَالْمَطْعُونَ‏,‏ وَالْغَرِيقَ‏,‏ وَالْحَرِيقَ‏,‏ وَصَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ‏,‏ وَصَاحِبَ الْهَدَمِ‏,‏ وَالْمَرْأَةَ تَمُوتُ بِجُمْعٍ‏:‏ شُهَدَاءُ كُلُّهُمْ‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ عليه السلام كَفَّنَ فِي حَيَاتِهِ‏,‏ وَغَسَّلَ مَنْ مَاتَ فِيهِمْ مِنْ هَؤُلاَءِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَقَدْ كَانَ عُمَرُ‏,‏ وَعُثْمَانُ‏,‏ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهم‏:‏ شُهَدَاءَ‏,‏ فَغُسِّلُوا‏,‏ وَكُفِّنُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ يَصِحُّ فِي تَرْكِ الْمَجْلُودِ أَثَرٌ‏;‏ لأَِنَّ رَاوِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ‏,‏ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ‏.‏

563 - مَسْأَلَةٌ

وَإِعْمَاقُ حَفِيرِ الْقَبْرِ‏:‏ فَرْضٌ‏,‏ وَدَفْنُ الْمُسْلِمِ‏:‏ فَرْضٌ وَجَائِزٌ دَفْنُ الاِثْنَيْنِ‏,‏ وَالثَّلاَثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ‏,‏ وَيُقَدَّمُ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حدثنا أَبِي قَالَ‏:‏ سَمِعْت حُمَيْدًا، هُوَ ابْنُ هِلاَلٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مَنْ أُصِيبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ فَأَصَابَ النَّاسَ جِرَاحَاتٌ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا‏,‏ وَادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ‏,‏ وَالثَّلاَثَةَ فِي الْقَبْرِ‏,‏ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ‏:‏ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ‏,‏ فَقُلْنَا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏,‏ الْحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إنْسَانٍ‏:‏ شَدِيدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَلَمْ يَعْذُرْهُمْ عليه السلام فِي الإِعْمَاقِ فِي الْحَفْرِ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ‏,‏ ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ ‏.‏

564 - مَسْأَلَةٌ

وَدَفْنُ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ فَرْضٌ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ عليه السلام عَنْ الْمُثْلَةِ‏.‏

وَتَرْكُ الإِنْسَانِ لاَ يُدْفَنُ‏:‏ مُثْلَةٌ‏.‏

وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ إذْ قَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ بِأَنْ تُحْفَرَ خَنَادِقُ وَيُلْقَوْا فِيهَا

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنَّ عَمَّكَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ فَمَنْ يُوَارِيهِ قَالَ‏:‏ اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ رَجُلٌ فِينَا مَاتَ نَصْرَانِيًّا وَتَرَكَ ابْنَهُ قَالَ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ وَيَدْفِنَهُ قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ وَسَمِعْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يُحَدِّثُ عَنْ الشَّعْبِيِّ‏:‏ أَنَّ أُمَّ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مَاتَتْ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ‏,‏ فَشَيَّعَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

565 - مَسْأَلَةٌ

وَأَفْضَلُ الْكَفَنِ لِلْمُسْلِمِ‏:‏ ثَلاَثَةُ أَثْوَابٍ بِيضٍ لِلرَّجُلِ‏,‏ يُلَفُّ فِيهَا‏,‏ لاَ يَكُونُ فِيهَا قَمِيصٌ‏,‏ وَلاَ عِمَامَةٌ‏,‏ وَلاَ سَرَاوِيلُ‏,‏ وَلاَ قُطْنٌ

وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ‏,‏ وَثَوْبَانِ زَائِدَانِ‏.‏ فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ لَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلاِثْنَيْنِ إلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ‏:‏ أُدْرِجَا فِيهِ جَمِيعًا‏.‏

وَإِنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ‏,‏ وَالْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلاَ حَرَجَ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏,‏ كُفِّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلاَ عِمَامَةٌ‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ مَا تَخَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ إلاَّ أَفْضَلَ الأَحْوَالِ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ

حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ‏,‏ فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ‏,‏ وَقَالَ لَهُ‏:‏ آذِنِّي أُصَلِّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ

حدثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حدثنا أَبِي عَنْ الأَعْمَشِ، حدثنا شَقِيقٌ، حدثنا خَبَّابٌ قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ‏,‏ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ‏,‏ فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا‏,‏ مِنْهُمْ‏:‏ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ‏,‏ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ‏,‏ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إلاَّ بُرْدَةً‏,‏ إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ‏,‏ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ‏,‏ فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ‏,‏ وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الإِذْخِرِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُكَفَّنَ مَنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ إلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ لاَ يَعُمُّهُ كُلَّهُ قال أبو محمد‏:‏ وَهَهُنَا حَدِيثٌ وَهَمَ فِيهِ رَاوِيهِ‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الأَشْيَبِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، هُوَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ‏.‏

وَالْوَهْمُ فِيهِ مِنْ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى‏,‏ أَوْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ‏:‏ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ‏:‏ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ‏,‏ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ‏,‏ وَكَفِّنُوا فِيهِ مَوْتَاكُمْ‏.‏

قلنا‏:‏ هَذَا لَيْسَ فَرْضًا‏,‏ لأَِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام لَبِسَ حُلَّةً حَمْرَاءَ وَشَمْلَةً سَوْدَاءَ‏:‏ وَ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ زَيْدٍ، هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قِيلَ لَهُ لِمَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ قَالَ‏:‏ إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِهَا‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْهَا‏,‏ وَكَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قُلْتُ لاَِنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَيُّ الثِّيَابِ كَانَ أَحَبَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْحِبَرَةُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ حَدِيثٌ لِحَدِيثٍ‏,‏ بَلْ كُلُّهَا حَقٌّ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الأَمْرَ بِالْبَيَاضِ نَدْبٌ وَبِاخْتِيَارِنَا هَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لَهَا فِي حَدِيثٍ ‏"‏ فِيمَ كَفَّنْتُمُوهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلاَ عِمَامَةٌ‏,‏ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ اُنْظُرُوا ثَوْبِي هَذَا فَاغْسِلُوهُ‏,‏ وَبِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ مِشْقٍ وَاجْعَلُوا مَعَهُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ كُفِّنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ‏:‏ ثَوْبَيْنِ سُحُولِيَّيْنِ‏,‏ وَثَوْبٍ كَانَ يَلْبَسُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لاَِهْلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ لاَ تُقَمِّصُونِي، وَلاَ تُعَمِّمُونِي فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقَمَّصْ وَلَمْ يُعَمَّمْ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ لاَ يُعَمَّمُ الْمَيِّتُ، وَلاَ يُؤَزَّرُ، وَلاَ يُرَدَّى لَكِنْ يُلَفُّ فِيهَا لَفًّا‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّنُ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِهِ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا عِمَامَةٌ‏.‏

وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمْ‏.‏

وَهَكَذَا كُفِّنَ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ‏,‏ وَقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ‏:‏ أَفْتَى بِذَلِكَ الْخُشَنِيُّ‏,‏ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَضَرَ وأما كَفَنُ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا قَالَ

حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ‏:‏ تُوُفِّيَتْ إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ فَقَالَ‏:‏ اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ‏,‏ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ‏,‏ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ فَلَمَّا فَرَغْنَ آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ وَقَالَ‏:‏ أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ‏:‏ دِرْعٍ‏,‏ وَخِمَارٍ‏,‏ وَثَلاَثِ لَفَائِفَ وَعَنْ النَّخَعِيِّ‏:‏ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ‏:‏ دِرْعٍ‏,‏ وَخِمَارٍ‏,‏ وَلِفَافَةٍ‏,‏ وَمِنْطَقَةٍ‏,‏ وَرِدَاءٍ وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ‏:‏ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ‏:‏ دِرْعٍ‏,‏ وَخِمَارٍ‏,‏ وَلِفَافَتَيْنِ وَخِرْقَةٍ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ‏,‏ وَالرَّجُلُ فِي ثَلاَثَةٍ ‏.‏

566 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ كُلَّ مَا تَرَكَ فَكُلُّ مَا تَرَكَ لِلْغُرَمَاءِ‏,‏ وَلاَ يَلْزَمُهُمْ كَفَنُهُ دُونَ سَائِرِ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ مِيرَاثًا، وَلاَ وَصِيَّةً إلاَّ فِيمَا يُخَلِّفُهُ الْمَرْءُ بَعْدَ دَيْنِهِ

فَصَحَّ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِي مِقْدَارِ دَيْنِهِ مِمَّا يَتَخَلَّفُهُ‏,‏ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَحَقُّ تَكْفِينِهِ إذَا لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنْ غَرِيمٍ‏,‏ أَوْ غَيْرِ غَرِيمٍ‏.‏

لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ‏}‏ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ وَلِيَ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ‏.‏

فَكُلُّ مَنْ وَلِيَهُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِحْسَانِ كَفَنِهِ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُخَصَّ بِذَلِكَ الْغُرَمَاءُ دُونَ غَيْرِهِمْ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَالْكَفَنُ مُقَدَّمٌ فِيهِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ‏:‏ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَفَّنَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رضي الله عنه فِي بُرْدَةٍ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا غَيْرَهَا‏,‏ فَلَمْ يَجْعَلْهَا لِوَارِثِهِ ‏.‏

567 - مَسْأَلَةٌ

وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَمَنْ قَامَ بِهِ سَقَطَ عَنْ سَائِرِ النَّاسِ‏,‏ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ

وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ‏,‏ وَلاَِنَّ تَكْلِيفَ مَا عَدَا هَذَا دَاخِلٌ فِي الْحَرَجِ وَالْمُمْتَنِعِ‏,‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ ‏.‏

568 - مَسْأَلَةٌ

وَصِفَةُ الْغُسْلِ أَنْ يَغْسِلَ جَمِيعَ جَسَدِ الْمَيِّتِ وَرَأْسَهُ بِمَاءٍ قَدْ رُمِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ سِدْرٍ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ إنْ وُجِدَ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِالْمَاءِ وَحْدَهُ‏:‏ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ يُبْتَدَأُ بِالْمَيَامِنِ‏,‏ وَيُوَضَّأُ‏:‏ فَإِنْ أَحَبُّوا الزِّيَادَةَ فَعَلَى الْوِتْرِ أَبَدًا؛ إمَّا ثَلاَثُ مَرَّاتٍ‏,‏ وأما خَمْسُ مَرَّاتٍ‏,‏ وأما سَبْعُ مَرَّاتٍ وَيَجْعَلُ فِي آخِرِ غَسَلاَتِهِ إنْ غُسِّلَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، وَلاَ بُدَّ فَرْضًا‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلاَ حَرَجَ‏,‏ لأَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ كُلِّهِ

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ‏:‏ اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا‏,‏ أَوْ خَمْسًا‏,‏ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ‏,‏ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ لَمَّا غَسَّلْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَنَا‏:‏ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَبِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ مَا آتَاهَا‏}‏ فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ تَعَالَى سِدْرًا، وَلاَ كَافُورًا فَلَمْ يُكَلِّفْهُ إيَّاهُمَا‏:‏ رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ يُغَسَّلُ الْمَيِّتُ ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا‏,‏ كُلُّهُنَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ‏,‏ فِي كُلِّهِنَّ يُغْسَلُ رَأْسُهُ وَجَسَدُهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سِدْرٌ فَخَطْمِيٌّ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ سَيُوجَدُ السِّدْرُ‏.‏

وَرَأَى الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ‏,‏ وَهَذَا رَأْيٌ مِنْهُ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ‏:‏ غُسْلُ الْمَيِّتِ ثَلاَثُ مَرَّاتٍ‏.‏

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ‏:‏ يُغَسَّلُ الْمَيِّتُ وِتْرًا‏.‏

وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ‏:‏ يُغَسَّلُ مَرَّتَيْنِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ‏,‏ وَالثَّالِثَةَ بِمَاءٍ فِيهِ كَافُورٌ‏.‏

وَالْمَرْأَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ‏.‏

وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ الْمَيِّتُ يُغَسَّلُ بِمَاءٍ‏,‏ ثُمَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ‏,‏ ثُمَّ بِمَاءٍ وَكَافُورٍ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ‏:‏ الْمَيِّتُ يُوَضَّأُ كَمَا يُوَضَّأُ الْحَيُّ يُبْدَأُ بِمَيَامِنِهِ‏.‏

وَعَنْ قَتَادَةَ يُبْدَأُ بِمَيَامِنِ الْمَيِّتِ‏,‏ يَعْنِي فِي الْغُسْلِ ‏.‏

569 - مَسْأَلَةٌ

فَإِنْ عُدِمَ الْمَاءُ يُمِّمَ الْمَيِّتُ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ

570 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يَحِلُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِيمَا لاَ يَحِلُّ لِبَاسُهُ‏,‏ مِنْ حَرِيرٍ‏,‏ أَوْ مُذَهَّبٍ‏,‏ أَوْ مُعَصْفَرٍ

وَجَائِزٌ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ‏,‏ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَرِيرِ‏,‏ وَالذَّهَبِ إنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لاِِنَاثِهَا‏.‏

وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُعَصْفَرِ‏:‏ إذْ نَهَى عليه السلام الرِّجَالَ عَنْهُ ‏.‏

571 - مَسْأَلَةٌ

وَكَفَنُ الْمَرْأَةِ وَحَفْرُ قَبْرِهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهَا‏,‏ وَلاَ يَلْزَمُ ذَلِكَ زَوْجَهَا‏,‏ لأَِنَّ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ مَحْظُورَةٌ إلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ‏,‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ

وَإِنَّمَا أَوْجَبَ تَعَالَى عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةَ‏,‏ وَالْكِسْوَةَ‏,‏ وَالإِسْكَانَ‏,‏ وَلاَ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الْكَفَنُ‏:‏ كِسْوَةً‏,‏ وَلاَ الْقَبْرُ‏:‏ إسْكَانًا ‏.‏

572 - مَسْأَلَةٌ

وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ بِإِمَامٍ يَقِفُ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ‏,‏ وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ صُفُوفٌ‏,‏ وَيَقِفُ مِنْ الرَّجُلِ عِنْدَ رَأْسِهِ‏,‏ وَمِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ وَسَطِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي‏,‏ أَوْ الثَّالِثِ‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا صَلاَةُ قِيَامٍ‏,‏ لاَ رُكُوعَ فِيهَا‏,‏ وَلاَ سُجُودَ‏,‏ وَلاَ قُعُودَ‏,‏ وَلاَ تَشَهُّدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّى عَلَى أُمِّ كَعْبٍ‏,‏ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا‏,‏ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهَا وَسَطَهَا‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ بِإِسْنَادِهِ‏.‏

وَرَوَاهُ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ‏,‏ وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ كُلُّهُمْ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ بِإِسْنَادِهِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا دَاوُد بْنُ مُعَاذٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ صَلَّيْتُ عَلَى جِنَازَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ‏,‏ وَصَلَّى عَلَيْهِ بِنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَنَا خَلْفَهُ‏,‏ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ‏,‏ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ‏,‏ لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ‏,‏ ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ فَقَالُوا‏:‏ يَا أَبَا حَمْزَةَ‏,‏ الْمَرْأَةُ الأَنْصَارِيَّةُ فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ‏,‏ فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا‏,‏ فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلاَتِهِ عَلَى الرَّجُلِ‏,‏ ثُمَّ جَلَسَ‏,‏ فَقَالَ لَهُ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ‏:‏ يَا أَبَا حَمْزَةَ‏,‏ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ كَصَلاَتِكَ‏,‏ يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا‏,‏ وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ‏,‏ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي غَالِبٍ‏,‏ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ هَذَا‏,‏ وَفِي آخِرِهِ‏:‏ أَنَّ الْعَلاَءَ بْنَ زِيَادٍ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ‏:‏ احْفَظُوا فَدَلَّ هَذَا عَلَى مُوَافَقَةِ كُلِّ مَنْ حَضَرَ لَهُ‏,‏ وَهُمْ تَابِعُونَ كُلُّهُمْ‏.‏

وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَحْمَدُ‏,‏ وَدَاوُد‏,‏ وَأَصْحَابُهُمْ‏,‏ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَمَالِكٌ‏,‏ بِخِلاَفِ هَذَا‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ دَعْوَى فَاسِدَةً‏,‏ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ إذْ لَمْ تَكُنْ النُّعُوشُ وَهَذَا كَذِبٌ مِمَّنْ قَالَهُ‏;‏ لأَِنَّ أَنَسًا صَلَّى كَذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ فِي نَعْشٍ أَخْضَرَ وقال بعضهم‏:‏ كَمَا يَقُومُ الإِمَامُ مُوَازٍ وَسَطَ الصَّفِّ خَلْفَهُ كَذَلِكَ يَقُومُ مُوَازٍ وَسَطَ الْجِنَازَةِ فَيُقَالُ لَهُ‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ‏,‏ وَقِيَاسٌ فَاسِدٌ‏;‏ لأَِنَّهُ إمَامُ الصَّفِّ‏,‏ وَلَيْسَ إمَامًا لِلْجِنَازَةِ‏,‏ وَلاَ مَأْمُومًا لَهَا‏,‏ وَاَلَّذِي اقْتَدَيْنَا بِهِ فِي وُقُوفِهِ إزَاءَ وَسَطِ الصَّفِّ هُوَ الَّذِي اقْتَدَيْنَا بِهِ إزَاءَ وَسَطِ الْمَرْأَةِ‏,‏ وَإِزَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ‏,‏ وَهُوَ النَّبِيُّ عليه السلام‏,‏ الَّذِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُ حُكْمِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

573 - مَسْأَلَةٌ

وَيُكَبِّرُ الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ بِتَكْبِيرِ الإِمَامِ عَلَى الْجِنَازَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ‏,‏ لاَ أَكْثَرَ‏,‏ فَإِنْ كَبَّرُوا أَرْبَعًا فَحَسَنٌ‏,‏ وَلاَ أَقَلَّ‏,‏ وَلاَ تُرْفَعُ الأَيْدِي إلاَّ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ‏,‏ فَإِذَا انْقَضَى التَّكْبِيرُ الْمَذْكُورُ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَسَلَّمُوا كَذَلِكَ‏,‏ فَإِنْ كَبَّرَ سَبْعًا كَرِهْنَاهُ وَاتَّبَعْنَاهُ‏,‏ وَكَذَلِكَ إنْ كَبَّرَ ثَلاَثًا‏,‏ فَإِنْ كَبَّرَ أَكْثَرَ لَمْ نَتَّبِعْهُ‏,‏ وَإِنْ كَبَّرَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ لَمْ نُسَلِّمْ بِسَلاَمِهِ‏,‏ بَلْ أَكْمَلْنَا التَّكْبِيرَ

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا‏,‏ وَأَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا‏,‏ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُهَا‏.‏

وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَبَّرَ أَيْضًا أَرْبَعًا‏,‏ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ ‏"‏ جَمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ‏,‏ فَقَالُوا‏:‏ كَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعًا وَخَمْسًا وَأَرْبَعًا‏,‏ فَجَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ كَأَطْوَلِ الصَّلاَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ فَذَكَرَهُ‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَهَذَا إجْمَاعٌ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏,‏ أَوَّلَ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ الْخَبَرَ لاَ يَصِحُّ‏;‏ لاَِنَّهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏

وأما عُمَرُ بْنُ شَقِيقٍ فَلاَ يُدْرَى فِي الْعَالَمِ مَنْ هُوَ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَشِيرَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي إحْدَاثِ فَرِيضَةٍ بِخِلاَفِ مَا فَعَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ لِلْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ مَا فَعَلَهُ عليه السلام‏,‏ وَمَاتَ وَهُوَ مُبَاحٌ‏,‏ فَيُحَرِّمُ بَعْدَهُ‏,‏ لاَ يَظُنُّ هَذَا بِعُمَرَ إلاَّ جَاهِلٌ بِمَحَلِّ عُمَرَ مِنْ الدِّينِ وَالإِسْلاَمِ‏,‏ طَاعِنٌ عَلَى السَّلَفِ رضي الله عنهم وَذَكَرُوا أَيْضًا مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ أَيْمَنَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ‏,‏ أَرْبَعًا وَخَمْسًا‏,‏ فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَرْبَعٍ‏,‏ يَعْنِي التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَبِهِ إلَى شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ‏,‏ فَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ‏,‏ فَكَبَّرَ عَلَيْهَا خَمْسًا‏,‏ فَضَحِكُوا مِنْهُ‏,‏ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏,‏ قَدْ كُنَّا نُكَبِّرُ أَرْبَعًا‏,‏ وَخَمْسًا‏,‏ وَسِتًّا‏,‏ وَسَبْعًا‏,‏ فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَرْبَعٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَحْوَهُ‏:‏ وَمِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ‏:‏ أَرْبَعٌ‏,‏ وَخَمْسٌ يَعْنِي التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ‏.‏

قَالَ سَعِيدٌ‏:‏ فَأَمَرَ عُمَرُ النَّاسَ بِأَرْبَعٍ قَالُوا‏:‏ فَهَذَا إجْمَاعٌ‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ هَذَا الْكَذِبُ لأَِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ‏.‏

وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَسَعِيدٌ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ عُمَرَ إلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَطْ‏,‏ فَكُلُّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ أَوْ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ‏,‏ لَكَانَ مَا رَوَوْهُ مِنْ ذَلِكَ مُكَذِّبًا لِدَعْوَاهُمْ فِي الإِجْمَاعِ‏;‏ لأَِنَّ صَاحِبَ مُعَاذٍ الْمَذْكُورَ كَبَّرَ خَمْسًا‏,‏ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ كَبَّرَ بَعْدَ عُمَرَ خَمْسًا

حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ‏:‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَلَّى عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ سِتًّا‏,‏ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ‏:‏ إنَّهُ بَدْرِيٌّ قَالَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ وَقَدِمَ عَلْقَمَةُ مِنْ الشَّامِ فَقَالَ لاِبْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ إنَّ إخْوَانَك بِالشَّامِ يُكَبِّرُونَ عَلَى جَنَائِزِهِمْ خَمْسًا‏,‏ فَلَوْ وَقَّتُّمْ لَنَا وَقْتًا نُتَابِعُكُمْ عَلَيْهِ فَأَطْرَقَ عَبْدُ اللَّهِ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ‏:‏ اُنْظُرُوا جَنَائِزَكُمْ‏,‏ فَكَبِّرُوا عَلَيْهَا مَا كَبَّرَ أَئِمَّتُكُمْ‏,‏ لاَ وَقْتَ، وَلاَ عَدَدَ‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ ابْنُ مَسْعُودٍ مَاتَ فِي حَيَاةِ عُثْمَانَ رضي الله عنهما‏,‏ فَإِنَّمَا ذَكَرَ لَهُ عَلْقَمَةُ مَا ذَكَرَ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم الَّذِينَ بِالشَّامِ‏,‏ وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ‏;‏ لأَِنَّ الشَّعْبِيَّ أَدْرَكَ عَلْقَمَةَ وَأَخَذَ عَنْهُ وَسَمِعَ مِنْهُ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ‏:‏ رَأَيْت ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَلْعَدَانَ فَخْذٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْسًا وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عَلِيًّا كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاَثًا‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت أَبَا مَعْبَدٍ يَقُولُ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُكَبِّرُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاَثًا‏.‏

وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي شَيْبَةُ بْنُ أَيْمَنَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ ثَلاَثًا وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ‏:‏ أَنَّهُ قِيلَ لاَِنَسٍ‏:‏ إنَّ فُلاَنًا كَبَّرَ ثَلاَثًا‏,‏ يَعْنِي عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ أَنَسٌ‏:‏ وَهَلْ التَّكْبِيرُ إلاَّ ثَلاَثًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ‏:‏ إنَّمَا كَانَ التَّكْبِيرُ ثَلاَثًا فَزَادُوا وَاحِدَةً يَعْنِي عَلَى الْجِنَازَةِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَلاَلِ الْعَتَكِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَمَرَ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاَثًا قال أبو محمد‏:‏ أُفٍّ لِكُلِّ إجْمَاعٍ يُخْرَجُ عَنْهُ‏:‏ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ‏,‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ‏,‏ وَالصَّحَابَةُ بِالشَّامِ رضي الله عنهم‏,‏ ثُمَّ التَّابِعُونَ بِالشَّامِ‏,‏ وَابْنُ سِيرِينَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ‏,‏ وَيَدَّعِي الإِجْمَاعَ بِخِلاَفِ هَؤُلاَءِ بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ‏,‏ فَمَنْ أَجْهَلُ مِمَّنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ فَمَنْ أَخْسَرُ صَفْقَةً مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي عَقْلِهِ أَنَّ إجْمَاعًا عَرَفَهُ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَخَفِيَ عِلْمُهُ عَلَى‏:‏ عَلِيٍّ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ‏,‏ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ حَتَّى خَالَفُوا الإِجْمَاعَ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ كَبَّرَ أَرْبَعًا‏,‏ وَعَلِيًّا كَبَّرَ عَلَى ابْنِ الْمُكَفِّفِ أَرْبَعًا‏,‏ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَبَّرَ عَلَى أُمِّهِ أَرْبَعًا‏,‏ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى كَبَّرَ عَلَى ابْنَتِهِ أَرْبَعًا‏,‏ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَبَّرَ أَرْبَعًا‏,‏ وَأَنَسًا كَبَّرَ أَرْبَعًا‏:‏ فَكُلُّ هَذَا حَقٌّ وَصَوَابٌ‏,‏ وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلاَءِ أَحَدٌ صَحَّ عَنْهُ إنْكَارُ تَكْبِيرِ خَمْسٍ أَصْلاً‏,‏ وَحَتَّى لَوْ وُجِدَ لَكَانَ مُعَارِضًا لَهُ قَوْلُ مَنْ أَجَازَهَا‏,‏ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ حِينَئِذٍ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ‏,‏ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَبَّرَ خَمْسًا وَأَرْبَعًا‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ أَحَدِ عَمَلَيْهِ لِلآخَرِ وَلَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ تَكْبِيرًا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ‏,‏ وَلاَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ‏,‏ فَمَنْ زَادَ عَلَى خَمْسٍ وَبَلَغَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فَقَدْ عَمِلَ عَمَلاً لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ‏,‏ فَكَرِهْنَاهُ لِذَلِكَ‏,‏ وَلَمْ يَنْهَ عليه السلام عَنْهُ فَلَمْ نَقُلْ‏:‏ بِتَحْرِيمِهِ لِذَلِكَ‏,‏ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ‏:‏ فِيمَنْ كَبَّرَ ثَلاَثًا وأما مَا دُونَ الثَّلاَثِ وَفَوْقَ السَّبْعِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ عَلِمْنَا أَحَدًا قَالَ بِهِ‏,‏ فَهُوَ تَكَلُّفٌ‏,‏ وَقَدْ نُهِينَا أَنْ نَكُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ‏,‏ إلاَّ حَدِيثًا سَاقِطًا وَجَبَ أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ لِئَلاَّ يُغْتَرَّ بِهِ‏,‏ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ رضي الله عنه يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعِينَ صَلاَةً وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وأما رَفْعُ الأَيْدِي فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَفَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ إلاَّ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ‏,‏ لأَِنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ‏,‏ وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْهُ عليه السلام‏:‏ أَنَّهُ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهَا رَفْعٌ، وَلاَ خَفْضٌ وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ بِرَفْعِ الأَيْدِي فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْعِهِ مِنْ رَفْعِ الأَيْدِي فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأما التَّسْلِيمَتَانِ فَهِيَ صَلاَةٌ‏,‏ وَتَحْلِيلُ الصَّلاَةِ‏:‏ التَّسْلِيمُ‏,‏ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ ذِكْرٌ وَفِعْلُ خَيْرٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

574 - مَسْأَلَةٌ

فَإِذَا كَبَّرَ الآُولَى قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ دَعَا لِلْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ‏,‏ ثُمَّ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ فِي بَاقِي الصَّلاَةِ

أَمَّا قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَلأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهَا صَلاَةً بِقَوْلِهِ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ‏.‏

وَقَالَ عليه السلام لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَعْدٍ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ ‏"‏ صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ‏,‏ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ‏:‏ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ ‏"‏‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كِلاَهُمَا عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ‏,‏ قَالَ الضَّحَّاكُ‏,‏ وَأَبُو أُمَامَةَ‏:‏ السُّنَّةُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرِ مُخَافَتَةً‏,‏ ثُمَّ يُكَبِّرَ‏,‏ وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الآخِرَةِ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى الْجِنَازَةِ بِ أُمِّ الْكِتَابِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ‏:‏ يَقْرَأُ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ الآُولَيَيْنِ‏:‏ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ‏:‏ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فَقَرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً قَصِيرَةً‏,‏ رَفَعَ بِهِمَا صَوْتَهُ‏,‏ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ‏:‏ لاَ أَجْهَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلاَةُ عَجْمَاءَ‏,‏ وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ أُعَلِّمَكُمْ أَنَّ فِيهَا قِرَاءَةً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَرَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ‏,‏ وَالْمِسْوَرُ‏:‏ الْمُخَافَتَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا‏.‏

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏,‏ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَدْعُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الثَّلاَثِ فِي الْجِنَازَةِ‏,‏ ثُمَّ يُكَبِّرُونَ وَيَنْصَرِفُونَ، وَلاَ يَقْرَءُونَ‏.‏

وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ‏:‏ سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ أَنْ تُكَبِّرَ‏,‏ ثُمَّ تَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ تُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ تُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ‏,‏ وَلاَ تَقْرَأُ إلاَّ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى‏,‏ ثُمَّ يُسَلِّمُ فِي نَفْسِهِ عَنْ يَمِينِهِ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الصَّلاَةِ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ‏:‏ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ دُعَاءً‏.‏

وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهَا بِأَنْ قَالُوا‏:‏ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ‏,‏ مَا رُوِيَ قَطُّ مِنْ طَرِيقٍ يُشْتَغَلُ بِهَا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا مَنَعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ‏,‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي إخْلاَصِ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ نَهْيٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ‏,‏ وَنَحْنُ نُخْلِصُ لَهُ الدُّعَاءَ وَنَقْرَأُ كَمَا أُمِرْنَا وَقَالُوا‏:‏ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَذَكَرَ دُعَاءً وَلَمْ يَذْكُرْ قِرَاءَةً وَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ‏:‏ أَيَقْرَأُ فِي الْجِنَازَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَقُلْنَا لَيْسَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَنَعَمْ‏,‏ نَحْنُ نَقُولُ‏:‏ لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ إلاَّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلاَ يَصِحُّ خِلاَفٌ بَيْنَ هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ مَنْ صَرَّحَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏,‏ كَابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَالْمِسْوَرِ‏,‏ وَالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ‏,‏ وَأَبِي هُرَيْرَةَ‏,‏ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ وَأَنَسٍ‏,‏ لاَ سِيَّمَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَذْكُرْ تَكْبِيرًا، وَلاَ تَسْلِيمًا‏.‏

فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِهِ مُتَعَلَّقٌ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْجِنَازَةِ‏,‏ فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ عنهم فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ لَوَجَبَ الرَّدُّ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ‏.‏

وَقَدْ قَالَ عليه السلام لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَالُوا‏:‏ لَعَلَّ هَؤُلاَءِ قَرَءُوهَا عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ فَقُلْنَا‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ‏;‏ لأَِنَّهُمْ ثَبَتَ عنهم الأَمْرُ بِقِرَاءَتِهَا‏,‏ وَأَنَّهَا سُنَّتُهَا‏,‏ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ لَعَلَّهُمْ قَرَءُوهَا عَلَى أَنَّهَا دُعَاءٌ‏:‏ كَذِبٌ بَحْتٌ ثُمَّ لاَ نَدْرِي مَا الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قِرَاءَتِهَا حَتَّى يَتَقَحَّمُوا فِي الْكَذِبِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الضَّعِيفَةِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ‏,‏ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهَا صَلاَةٌ‏,‏ وَيُوجِبُونَ فِيهَا‏:‏ التَّكْبِيرَ‏,‏ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ‏,‏ وَالإِمَامَةَ لِلرِّجَالِ‏,‏ وَالطَّهَارَةَ‏,‏ وَالسَّلاَمَ‏,‏ ثُمَّ يُسْقِطُونَ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَمَّا سَقَطَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْجُلُوسُ‏:‏ سَقَطَتْ الْقِرَاءَةُ قلنا‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ يُوجَبُ هَذَا الْقِيَاسُ دُونَ قِيَاسِ الْقِرَاءَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ بَلْ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ قِيَاسُ الْقِرَاءَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ لأَِنَّ كُلَّ ذَلِكَ ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْقِرَاءَةِ عَلَى عَمَلِ الْجَسَدِ‏,‏ وَلَكِنْ هَذَا عِلْمُهُمْ بِالْقِيَاسِ وَالسُّنَنِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الْعَمَلِ بِالْمَدِينَةِ‏,‏ وَهَهُنَا أَرَيْنَاهُمْ عَمَلَ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏,‏ وَأَبِي أُمَامَةَ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ‏,‏ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَخَالَفُوهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏.‏

575 - مَسْأَلَةٌ

وَأَحَبُّ الدُّعَاءِ إلَيْنَا عَلَى الْجِنَازَةِ هُوَ

مَا حدثناهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ يَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ‏,‏ وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ‏,‏ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ‏,‏ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ‏,‏ وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ‏,‏ وَثَلْجٍ‏,‏ وَبَرَدٍ‏,‏ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ‏,‏ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ‏,‏ وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ‏,‏ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ‏,‏ وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ‏,‏ وَعَذَابَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ‏.‏

وَمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الرَّقِّيُّ، حدثنا شُعَيْبٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا‏,‏ وَمَيِّتِنَا‏,‏ وَصَغِيرِنَا‏,‏ وَكَبِيرِنَا‏,‏ وَذَكَرِنَا‏,‏ وَأُنْثَانَا‏,‏ وَشَاهِدِنَا‏,‏ وَغَائِبِنَا‏,‏ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ‏,‏ وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلاَمِ اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ‏,‏ وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ‏.‏

فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلْيَقُلْ ‏"‏ اللَّهُمَّ أَلْحِقْهُ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِك ‏"‏ لِلأَثَرِ الَّذِي صَحَّ أَنَّ الصِّغَارَ مَعَ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ‏.‏

وَمَا دَعَا بِهِ فَحَسَنٌ ‏.‏

576 - مَسْأَلَةٌ

وَنَسْتَحِبُّ اللَّحْدَ‏,‏ وَهُوَ الشَّقُّ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْقَبْرِ‏,‏ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الضَّرِيحِ‏,‏ وَهُوَ الشَّقُّ فِي وَسَطِ الْقَبْرِ

وَنَسْتَحِبُّ اللَّبِنَ أَنْ تُوضَعَ عَلَى فَتْحِ اللَّحْدِ‏,‏ وَنَكْرَهُ الْخَشَبَ‏,‏ وَالْقَصَبَ‏,‏ وَالْحِجَارَةَ‏.‏

وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمِسْوَرِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَمِّهِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ‏:‏ أَنَّ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ ‏"‏ أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا‏,‏ وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا‏,‏ كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ‏.‏

577 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبْنَى الْقَبْرُ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُجَصَّصَ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُزَادَ عَلَى تُرَابِهِ شَيْءٌ‏,‏ وَيُهْدَمُ كُلُّ ذَلِكَ‏,‏ فَإِنْ بُنِيَ عَلَيْهِ بَيْتٌ أَوْ قَائِمٌ لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ

وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَشَ اسْمَهُ فِي حَجَرٍ‏:‏ لَمْ نَكْرَهْ ذَلِكَ‏:‏ رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ‏:‏ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ شُفَيٍّ حَدَّثَهُ قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعَ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودِسَ‏,‏ فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا‏,‏ فَأَمَرَ فُضَالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا‏:‏ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ

حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إلاَّ طَمَسْتَهُ‏,‏ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلاَّ سَوَّيْتَهُ‏.‏

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ‏:‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ‏,‏ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهَا‏,‏ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَدْ أَنْذَرَ عليه السلام بِمَوْضِعِ قَبْرِهِ بِقَوْلِهِ مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَأَعْلَمَ أَنَّهُ فِي بَيْتِهِ بِذَلِكَ‏.‏

وَلَمْ يُنْكِرْ عليه السلام كَوْنَ الْقَبْرِ فِي بَيْتٍ‏,‏ وَلاَ نَهَى عَنْ بِنَاءٍ قَائِمٍ‏,‏ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ بِنَاءٍ عَلَى الْقَبْرِ‏:‏ قُبَّةٍ فَقَطْ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ أَوْ تُطَيَّنَ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَفِيرِهَا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ‏:‏ تَسْوِيَةُ الْقُبُورِ مِنْ السُّنَّةِ وَعَنْ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنه أَنَّهُ أَمَرَ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ‏,‏ وَأَنْ تُرْفَعَ مِنْ الأَرْضِ شِبْرًا‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ سَقَطَ الْحَائِطُ الَّذِي عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسُتِرَ‏,‏ ثُمَّ بُنِيَ‏,‏ فَقُلْت لِلَّذِي سَتَرَهُ‏:‏ ارْفَعْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ‏,‏ فَنَظَرْت إلَيْهِ‏,‏ فَإِذَا عَلَيْهِ جَبُوبٌ وَرَمْلٌ‏,‏ كَأَنَّهُ مِنْ رَمْلِ الْعَرْصَةِ حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْت‏:‏ يَا أُمَّهُ‏,‏ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلاَثَةِ قُبُورٍ‏,‏ لاَ لاَطِئَةٍ، وَلاَ مُشْرِفَةٍ‏,‏ مَبْطُوحَةً بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ‏,‏ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقَدَّمًا‏,‏ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ‏,‏ وَرِجْلاَهُ بَيْنَ كَتِفَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْت عُمَرَ عِنْدَ رِجْلَيْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما‏.‏

578 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَيْنَ يَجْلِسُ‏:‏ فَلْيَقِفْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ‏,‏ وَلَوْ اسْتَوْفَزَ وَلَمْ يَقْعُدْ لَمْ يَبْنِ أَنَّهُ يُحْرَجُ

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لاََنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ‏.‏

وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏,‏ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ‏,‏ كِلاَهُمَا‏:‏ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ عَنْ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ‏:‏ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِيَسِيرٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلاَ تُصَلُّوا إلَيْهَا‏.‏

فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ رضي الله عنهم‏,‏ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ لاََنْ أَطَأَ عَلَى رَضْفٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرٍ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ لاََنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تَبْرُدَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَعَمَّدَ وَطْءَ قَبْرٍ لِي عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ‏.‏

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ لاََنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تَبْرُدَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

فَقَالَ قَائِلُونَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ‏,‏ وَحَمَلُوا الْجُلُوسَ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِلْغَائِطِ خَاصَّةً وَهَذَا بَاطِلٌ بَحْتٌ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَوَّلُهَا أَنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ‏,‏ وَصَرْفٌ لِكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَجْهِهِ‏,‏ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَثَانِيهَا أَنَّ لَفْظَ الْخَبَرِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ قَطْعًا‏,‏ بِقَوْلِهِ عليه السلام لاََنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ‏:‏ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ‏.‏

وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ‏:‏ أَنَّ الْقُعُودَ لِلْغَائِطِ لاَ يَكُونُ هَكَذَا أَلْبَتَّةَ‏,‏ وَمَا عَهِدْنَا قَطُّ أَحَدًا يَقْعُدُ عَلَى ثِيَابِهِ لِلْغَائِطِ إلاَّ مَنْ لاَ صِحَّةَ لِدِمَاغِهِ وَثَالِثُهَا أَنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْخَبَرِ لَمْ يَتَعَدَّوْا بِهِ وَجْهَهُ مِنْ الْجُلُوسِ الْمَعْهُودِ‏,‏ وَمَا عَلِمْنَا قَطُّ فِي اللُّغَةِ جَلَسَ فُلاَنٌ بِمَعْنَى تَغَوَّطَ‏,‏ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَحْرِيمَ الصَّلاَةِ إلَى الْقَبْرِ وَعَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مَحْمُودٌ ‏.‏

579 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَمْشِيَ بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ سِبْتِيَّتَيْنِ وَهُمَا اللَّتَانِ لاَ شَعْرَ فِيهِمَا‏,‏ فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا شَعْرٌ‏:‏ جَازَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِشَعْرٍ‏,‏ وَالآُخْرَى بِلاَ شَعْرٍ جَازَ الْمَشْيُ فِيهِمَا

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ شَعْبَانَ وَكَانَ ثِقَةً عَنْ خَالِدِ بْنِ سَمِيرٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ بَشِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَ، هُوَ ابْنُ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى رَجُلاً يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ فِي نَعْلَيْهِ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا وَحَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَصْرِيُّ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ أَخْبَرَنِي بَشِيرُ بْنُ نَهِيكٍ أَخْبَرَنِي بَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَةِ وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ زَحْمٌ‏,‏ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَشِيرًا قَالَ‏:‏ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي بَيْنَ الْمَقَابِرِ وَعَلَيَّ نَعْلاَنِ‏,‏ إذْ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ‏,‏ يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ‏,‏ إذَا كُنْت فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ‏,‏ قَالَ‏:‏ فَخَلَعْتُهُمَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فإن قيل فَهَلاَّ مَنَعْتُمْ مِنْ كُلِّ نَعْلٍ‏,‏ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ قلنا‏:‏ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا دَعَا صَاحِبَ سِبْتِيَّتَيْنِ‏,‏ بِنَصِّ كَلاَمِهِ‏,‏ ثُمَّ أَمَرَهُ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ وَالثَّانِي مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، حدثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ، حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنَّ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَهَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ عليه السلام بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ‏,‏ وَأَنَّ النَّاسَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَيَلْبَسُونَ النِّعَالَ فِي مَدَافِنِ الْمَوْتَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏,‏ عَلَى عُمُومِ إنْذَارِهِ عليه السلام بِذَلِكَ‏,‏ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ‏,‏ وَالأَخْبَارُ لاَ تُنْسَخُ أَصْلاً‏.‏

فَصَحَّ إبَاحَةُ لِبَاسِ النِّعَالِ فِي الْمَقَابِرِ‏,‏ وَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ السِّبْتِيَّةِ مِنْهَا‏,‏ لِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهَا قال أبو محمد‏:‏ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لاَ يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ فَقَالَ‏:‏ لَعَلَّ تَيْنِكَ النَّعْلَيْنِ كَانَ فِيهِمَا قَذَرٌ قال أبو محمد‏:‏ مَنْ قَطَعَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ قَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ فَقَدْ حَكَمَ بِالظَّنِّ‏,‏ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ‏,‏ وَكِلاَهُمَا خُطَّتَا خَسْفٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُمَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ‏:‏ فَهَبْكَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَتَقُولُونَ‏:‏ بِهَذَا أَنْتُمْ فَتَمْنَعُونَ مِنْ الْمَشْيِ‏,‏ بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ فِيهِمَا قَذَرٌ فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ لاَ فَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي دَعْوَى كَاذِبَةٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لِمَ تَقُولُوا بِهَا‏,‏ وَلَبَقِيتُمْ مُخَالِفِينَ لِلْخَبَرِ بِكُلِّ حَالٍ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا‏:‏ وَلَعَلَّ الْبِنَاءَ فِي الرُّعَافِ إنَّمَا هُوَ فِي الدَّمِ الأَسْوَدِ لِشَبَهِهِ بِدَمِ الْحَيْضِ‏,‏ وَلَعَلَّ فَسَادَ صَلاَةِ الرَّجُلِ إلَى جَنْبِ الْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ شَابَّةً خَوْفَ الْفِتْنَةِ‏,‏ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ ‏.‏

580 - مَسْأَلَةٌ

وَيُصَلَّى عَلَى مَا وُجِدَ مِنْ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ‏,‏ وَلَوْ أَنَّهُ ظُفْرٌ أَوْ شَعْرٌ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ‏,‏ وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَهِيدٍ فَلاَ يُغَسَّلُ‏,‏ لَكِنْ يُلَفُّ وَيُدْفَنُ وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لاَ يُوجَدُ مِنْهُ شَيْءٌ

فَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْمَيِّتِ عُضْوٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا غُسِّلَ أَيْضًا‏,‏ وَكُفِّنَ‏,‏ وَدُفِنَ‏,‏ وَلاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ ثَانِيَةً‏,‏ وَهَكَذَا أَبَدًا بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ وُجُوبَ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ‏.‏

فَصَحَّ بِذَلِكَ غُسْلُ جَمِيعِ أَعْضَائِهِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَسَتْرُ جَمِيعِهَا بِالْكَفَنِ وَالدَّفْنِ‏,‏ فَذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ وَاجِبٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ‏.‏

فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ عَمَلُهُ فِيمَا أَمْكَنَ عَمَلُهُ فِيهِ‏,‏ بِالْوُجُودِ مَتَى وُجِدَ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ ذَلِكَ فِي الأَعْضَاءِ الْمُفَرَّقَةِ بِلاَ بُرْهَانٍ وَيَنْوِي بِالصَّلاَةِ عَلَى مَا وُجِدَ مِنْهُ الصَّلاَةُ عَلَى جَمِيعِهِ‏:‏ جَسَدِهِ‏,‏ وَرُوحِهِ وقال أبو حنيفة‏,‏ وَأَصْحَابُهُ‏:‏ إنْ وُجِدَ نِصْفُ الْمَيِّتِ الَّذِي فِيهِ الرَّأْسُ‏,‏ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الرَّأْسُ‏:‏ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ النِّصْفُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الرَّأْسُ‏,‏ أَوْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي فِيهِ الرَّأْسُ‏:‏ لَمْ يُغَسَّلْ‏,‏ وَلاَ كُفِّنَ‏,‏ وَلاَ صُلِّيَ عَلَيْهِ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيَك بِهِ وَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى أَكْثَرِهِ وَاجِبَةٌ‏,‏ وَعَلَى نِصْفِهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنْتُمْ قَدْ جَعَلْتُمْ الرُّبْعَ فِيمَا أَنْكَشَفَ مِنْ بَطْنِ الْحُرَّةِ وَشَعْرِهَا كَثِيرًا فِي حُكْمِ الْكُلِّ‏,‏ وَجَعَلْتُمْ الْعُشْرَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِكُمْ أَيْضًا فِي حُكْمِ الْكُلِّ وَهُوَ مِنْ حَلْقِ عُشْرِ رَأْسِهِ‏,‏ أَوْ عُشْرِ لِحْيَتِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ هَذِهِ الأَحْكَامُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنهما‏:‏ أَنَّهُمَا صَلَّيَا عَلَى رِجْلِ‏,‏ إنْسَانٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ‏,‏ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى عِظَامٍ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ‏:‏ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رَأْسٍ وأما الصَّلاَةُ عَلَى الْغَائِبِ فَقَدْ جَاءَ بِهِ نَصٌّ قَاطِعٌ‏,‏ أَغْنَى عَنْ النَّظَرِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ تَجِبُ بِهِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ‏;‏ لأَِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْغَائِبُ وَالْحَاضِرُ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ أَحَدُهُمَا‏,‏ بَلْ فَرْضٌ فِي كُلِّ مُسْلِمٍ دُفِنَ بِغَيْرِ صَلاَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ لأَِنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ‏,‏ وَهِيَ فِيمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ نَدْبٌ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا‏.‏

وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ

حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حدثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ ‏"‏ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ الْحَبَشِ‏,‏ فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ‏,‏ فَصَفَفْنَا‏,‏ فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ‏.‏

وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ

حدثنا مُسَدَّدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ‏.‏

قَالَ جَابِرٌ‏:‏ فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ قَوِيَّةٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

فَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَمَلُهُ وَعَمَلُ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ‏,‏ فَلاَ إجْمَاعَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا‏,‏ وَآثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كَمَا أَوْرَدْنَا وَمَنَعَ مِنْ هَذَا‏:‏ مَالِكٌ‏,‏ وَأَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَادَّعَى أَصْحَابُهُمَا الْخُصُوصَ لِلنَّجَاشِيِّ‏,‏ وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ هَلْ فَعَلَ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قلنا لَهُمْ‏:‏ وَهَلْ جَاءَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ زَجَرَ عَنْ هَذَا أَوْ أَنْكَرَهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ‏}‏‏.‏

581 - مَسْأَلَةٌ

وَالصَّلاَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَبْرِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى الْمَدْفُونِ فِيهِ

وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ دُفِنَ بِلاَ صَلاَةٍ‏:‏ صُلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ مَا بَيْنَ دَفْنِهِ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ‏,‏ وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ‏,‏ وَإِنْ دُفِنَ بَعْدَ أَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ لَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ عَلَى قَبْرِهِ وقال مالك‏:‏ لاَ يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ‏,‏ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وقال الشافعي‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى الْمَدْفُونِ فِيهِ‏,‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ‏:‏ يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَى شَهْرٍ‏,‏ وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ إِسْحَاقُ‏:‏ يُصَلِّي الْغَائِبُ عَلَى الْقَبْرِ إلَى شَهْرٍ‏,‏ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْحَاضِرُ إلَى ثَلاَثٍ

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا‏,‏ فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ‏,‏ فَقَالُوا‏:‏ مَاتَ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قَالَ‏:‏ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ‏,‏ فَدَلُّوهُ‏,‏ فَصَلَّى عَلَيْهَا‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا‏,‏ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاَتِي عَلَيْهِمْ‏.‏

فَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْكَلاَمَ مِنْهُ عليه السلام دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لَهُ قال أبو محمد‏:‏ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا‏,‏ وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْكَلاَمِ بَرَكَةُ صَلاَتِهِ عليه السلام وَفَضِيلَتُهَا عَلَى صَلاَةِ غَيْرِهِ فَقَطْ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيُ غَيْرِهِ عَنْ الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ أَصْلاً‏,‏ بَلْ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}‏ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلاَنِ دَعْوَى الْخُصُوصِ هَهُنَا مَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ انْتَهَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى قَبْرٍ رَطْبٍ‏,‏ فَصَلَّى عَلَيْهِ‏,‏ وَصَفُّوا خَلْفَهُ‏,‏ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا قَالَ الشَّيْبَانِيُّ‏:‏ قُلْت لِعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ‏:‏ مَنْ حَدَّثَك قَالَ‏:‏ الثِّقَةُ‏,‏ مَنْ شَهِدَهُ‏,‏ ابْنُ عَبَّاسٍ‏.‏

فَهَذَا أَبْطَلَ الْخُصُوصَ‏,‏ لأَِنَّ أَصْحَابَهُ عليه السلام‏,‏ وَعَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ صَلَّوْا مَعَهُ عَلَى الْقَبْرِ‏,‏ فَبَطَلَتْ دَعْوَى الْخُصُوصِ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْعُرَةَ السَّامِيِّ، حدثنا غُنْدَرٌ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى قَبْرٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ لاَ يَسَعُ الْخُرُوجُ عَنْهَا وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبْرِهِ قال أبو محمد‏:‏ مَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏,‏ وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام‏,‏ فَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلٌ‏,‏ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ فِعْلُ خَيْرٍ‏,‏ وَالدَّعْوَى بَاطِلٌ إلاَّ بِبُرْهَانٍ وقال بعضهم‏:‏ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلاَةِ إلَى الْقَبْرِ وَعَلَى الْقَبْرِ مَانِعٌ مِنْ هَذَا قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا عَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِهَذَا عَكَسَ الْحَقَّ عَكْسًا‏;‏ لأَِنَّهُ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيُ عَنْ الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ‏,‏ أَوْ إلَيْهِ‏.‏

أَوْ فِي الْمَقْبَرَةِ‏,‏ وَعَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ‏,‏ فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ‏:‏ كُلُّ هَذَا مُبَاحٌ وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ‏,‏ فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ‏:‏ لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلاَةِ مُطْلَقًا فِي مَنْعِهِ مِنْ صَلاَةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ‏,‏ وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ فِي إبَاحَتِهِ الْحَرَامَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَقْبَرَةِ‏,‏ وَإِلَى الْقَبْرِ‏,‏ وَعَلَيْهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وقال بعضهم‏:‏ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ كَانَ لاَ يُصَلِّي سَائِرَ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْقَبْرِ‏,‏ وَيُصَلِّي صَلاَةَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ أَبَدًا قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ قَدْ صَحَّ مَا يُعَارِضُهُ‏,‏ وَهُوَ أَنَّهُ رضي الله عنه صَلَّى صَلاَةَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ‏,‏ ثُمَّ لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا عَنْهُ لَكَانَ قَدْ عَارَضَهُ مَا صَحَّ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ‏,‏ فَكَيْفَ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَلاَ يَصِحُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إلاَّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَرُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ‏:‏ مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ‏,‏ فَحَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ مَكَّةَ فَدَفَنَّاهُ‏,‏ فَقَدِمَتْ عَلَيْنَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ‏:‏ أَيْنَ قَبْرُ أَخِي فَدَلَلْنَاهَا عَلَيْهِ‏,‏ فَوَضَعَتْ فِي هَوْدَجِهَا عِنْدَ قَبْرِهِ فَصَلَّتْ عَلَيْهِ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ قَدِمَ وَقَدْ مَاتَ أَخُوهُ عَاصِمٌ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ أَيْنَ قَبْرُ أَخِي فَدُلَّ عَلَيْهِ‏,‏ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا صَلاَةُ الْجِنَازَةِ‏,‏ لاَ الدُّعَاءُ فَقَطْ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ أَنَّهُ أَمَرَ قَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ الأَنْصَارِيَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى قَبْرِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ بِقَوْمٍ جَاءُوا بَعْدَمَا دُفِنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَيْضًا‏:‏ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حدثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ‏:‏ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُ ذَلِكَ‏.‏

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إبَاحَةُ ذَلِكَ‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ‏:‏ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا وَعَنْ قَتَادَةَ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صَلَّى عَلَيْهَا‏.‏

فَهَذِهِ طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وأما أَمْرُ تَحْدِيدِ الصَّلاَةِ بِشَهْرٍ أَوْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَخَطَأٌ لاَ يُشْكِلُ‏,‏ لأَِنَّهُ تَحْدِيدٌ بِلاَ دَلِيلٍ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَدَّ بِهَذَا‏,‏ أَوْ مَنْ حَدَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

582 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ تَزَوَّجَ كَافِرَةً فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَمَاتَتْ حَامِلاً فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ دُفِنَتْ مَعَ أَهْلِ دِينِهَا‏,‏ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالرُّوحُ قَدْ نُفِخَ فِيهِ دُفِنَتْ فِي طَرَفِ مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ‏;‏ لأَِنَّ عَمَلَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ يُدْفَنَ مُسْلِمٌ مَعَ مُشْرِكٍ

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ وَكَانَ ثِقَةً عَنْ خَالِدِ بْنِ سَمِيرٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ بَشِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَ، هُوَ ابْنُ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ‏:‏ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ شَرًّا كَثِيرًا‏,‏ ثُمَّ مَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ خَيْرًا كَثِيرًا‏.‏

فَصَحَّ بِهَذَا تَفْرِيقُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

وَالْحَمْلُ مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّمَا هُوَ بَعْضُ جِسْمِ أُمِّهِ‏,‏ وَمِنْ حَشْوَةِ بَطْنِهَا‏,‏ وَهِيَ مَدْفُونَةٌ مَعَ الْمُشْرِكِينَ‏,‏ فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ خَلْقٌ آخَرُ‏,‏ كَمَا قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ‏}‏‏,‏ فَهُوَ حِينَئِذٍ إنْسَانٌ حَيٌّ غَيْرُ أُمِّهِ‏,‏ بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى ‏,‏ وَهُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ فَلَهُ حُكْمُ الإِسْلاَمِ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ‏,‏ وَهِيَ كَافِرَةٌ‏,‏ فَلاَ تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ تُدْفَنَ بِنَاحِيَةٍ لاَِجْلِ ذَلِكَ رُوِّينَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى‏:‏ أَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَفَنَ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً مَاتَتْ حُبْلَى مِنْ مُسْلِمٍ‏:‏ فِي مَقْبَرَةٍ لَيْسَتْ بِمَقْبَرَةِ النَّصَارَى‏,‏ وَلاَ بِمَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ ذَلِكَ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏:‏ أَنَّهَا تُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَجْلِ وَلَدِهَا ‏.‏

583 - مَسْأَلَةٌ

وَالصَّغِيرُ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ دُونَهُمَا فَيَمُوتُ

فَإِنَّهُ يُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ‏,‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ‏}‏ فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ‏,‏ إلاَّ مَنْ أَقَرَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ‏,‏ وَلَيْسَ إلاَّ مَنْ وُلِدَ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ كَافِرَيْنِ‏,‏ أَوْ حَرْبِيَّيْنِ كَافِرَيْنِ‏,‏ وَلَمْ يُسْبَ حَتَّى بَلَغَ‏,‏ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ فَمُسْلِمٌ ‏.‏